أمهات الاخلاق
لمن يذكّرنا به مراراً وعلى الدوام..ليجدد قوّتنا سعياً لارضاء الله
حديثنا عن خلق من أمّهات الأخلاق..يتغلغل في حياة البشر..
انه خلق الصّبر..أحياناً يأتي الي بعض الشباب ويقول لي:
اني أعاني من معصية كذا..فماذا أفعل؟ فأقول له: اصبر, فلا يعجبه كلامي!! ويعتقد أن ما أقوله كلام نظري.. ويقول آخر: اني أحاول الاستيقاظ مبكرا لصلاة الفجر ولكنّي لا أستطيع فماذا أفعل؟ فأقول له اصبر..!
لقد ضاع المعنى الحقيقي للصبر, وأصبحت كلمة الصبرعند كثير منّا تساوي"كلمة نظرية"..ولكن من منّا يراها..منهجاً عملياً نتّخذه حلا نصل به الي غاية.. ؟
الصبر مفتاج الكون ...!
انظروا الى الجنين في بطن أمه وانظروا الى مراحل تكوينه..انه لا يكبر فجأة..انظروا الى الزرع ينمو بتدرّج..وانظروا الى تدرّج شروق الشمس وتدرّج غروبها..
ألا تروا أن الله تبارك وتعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان قادراً سبحانه أن تكون في يوم واحد أو في طرفة عين ..!
انما أراد الله أن نعلم أن كل شيء في هذا الوجود يقوم على التدرّج وأن البرّ ليس خلقاً انسانياً بل مفتاح الكون. ان الكون كله يقوم على فكرة الصبر والتدرّج
بدونه تهلك البشرية ..
بدون خلق الصبر..! ان الذي جعل الزاني يرتكب هذه الفاحشة أنه لم يصبر حتى يتزوج..ومدمن المخدرات..ماالذي جعله يفعل ذلك غير أنه لم يصبر على مصيبة نزلت به.
لا بد لنا من ادراك أهمية هذا الخلق فبدونه تنتهك الحرمات وبدونه تهلك البشرية حقا أي اكتمال للدين والدنيا معا مرتبط بالصبر وأي نقصان فيهما مرتبط أيضا بالصبر..فلينتفض كل منّا وليعلنها صريحة أمام نفسه وأمام الله.."لن أفعل هذه المعصية(...) بعد اليوم وسوف أصبر والله معي وسيعينني.
تلقّوا هذا الفيض ..
والآن..أدعوكم لتتدبّروا كلام الله..
..هيئوا لأنفسكم جوّاً مريحاً ..لتشعروا بفيض ايماني خاص.. و وصيّتي عند قراءة الآيات أن تقرؤوها همساً بألسنتكم وبصوت عال بقلوبكم! ..فهل أنتم مستعدّون؟..
يقول تعالى (واستعينوا بالصبر والصلاة ان الله مع الصابرين)
ويقول (ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين)..
ويقول (انما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب)..
ويقول (والله يحبّ الصابرين..
ويقول (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)
ويقول (ولمن صبر وغفر انّ ذلك لمن عزم الأمور
ويقول (فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرّسل
ويقول (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا واتقوا الله لعلّكم تفلحون)
..لقد ورد الصبر في القرآن في أكثر من 90 موضعاً ولم يحدث هذا مع أي خلق آخر.
لماذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة..؟ !
يقول صلوات الله وسلامه عليه:
( الصبر ضياء)
سبحان الله! لماذا اختار هذه الكلمة؟
(ضياء)
ماذا لو كان..الصبر برهان أو الصبر عزيمة أو الصبر قوّة ؟؟
لقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم كلمة ضياء لأن أزمات الدنيا ظلمات..فقدان أم أو أب أو ابن..فقدان عضو من أعضاء الجسد..كل هذه الأشياء تجعل الانسان لا يرى..انها كآبة تصل به الى حدّ الظلام..والمعاصي أيضا ظلمات..وما يضيء وسط هذه الظلمات هو (الضياء)
حقا لقد أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم..كيف يكون الضياء وسط هذه الظلمات..
الصبر ضياء..فافهوا واعملوا..
ياله من نعمة
يقول صلى الله عليه وسلم: ما أعطى عبد عطاء خيراً من الصبر...هل تصدّقون النبي صلى الله عليه وسلم؟
تقولون:طبعا! وهل هذا سؤال !
ولكن لسان حالكم يقول غير ذلك فعلا !
والله ان أعظم عطاء وأفضل شيء لديك لهو الصبر..انه خير عطاء ...وياله من نعمة.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: عجباً لأمر المؤمن ان أمره كله خير وليس ذلك لأحد الا للمؤمن ان أصابته ضرّاء صبر فكان خيراً له, وان أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له.
يالها من كلمة ينشرح لها الصدر,وتسعد بها النفس ويهفو لها القلب كلمة((المؤمن))! فعند النعمة ساجداً..شاكراً الله, وعند المصيبة..صابراً محتسباً..موصولاً بالله..(وليس ذلك لأحد الا للمؤمن)
ألا تستحوا من الله.. ! ؟
اقرءوا هذا الحديث..واعلموا أنكم ان لم تتأثّروا به ففي قلوبكم شيء..!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:ما أحد أصبر على أذى سمعه من الله ,يدعون له ولداً و هو يعطيهم ويرزقهم !
سبحان الله ! مع قدرة الله على البشر الا أنه يمهلهم..البشرية اليوم حوالي 6,5 مليارات نسمة..كم منهم عابد الله..؟كم منهم ذاكر الله..؟ وفي المقابل كم منهم يعصي الله؟ انه في بعض ليالي من أيام السنة تكون البشرية جميعها غارقة في المعصية ومنهم من يبدأ سنة جديدة بالحرام والمعاصي والغضب الا من رحم الله ومع ذلك يصبر عليهم ويمهلهم.
أما تستحوا من الله...؟؟ ان المرأة الآن لا تصبر على كلمة من حماتها !! والرجل لا يصبر على بعض الأخطاء التي تقع فيها زوجته..! أين نحن من الآخرة ؟؟؟؟
(اللهم ارزقنا قلوباً طاهرة..نقيّة..حيّة..موصولة بك)
ربي ما أرحمك..!
(ما من يوم الا ويستأذن البحر ربه:يارب ائذن لي أن أغرق ابن آدم فانه أكل رزقك وعبد غيرك, وتقول الجبال: يارب ائذن لي أن أطبق على ابن آدم فانه أكل رزقك, وعبد غيرك, وتقول الأرض: يارب ائذن لي أن أبتلع ابن آدم فانه أكل رزقك وعبد غيرك: والله تبارك وتعالى يقول: دعوهم..لو خلقتموهم لرحمتموهم.
الجبال والأراض والبحار..ان الكائنات لا تحتمل ..ولكن انظر كيف يتعامل معنا الله !
انه يصبر علينا..فهل تتصف بصفات الله أم ..؟ !
اللهم اجعلنا مع الصابرين
-هل هذا معقول ؟
يقول العلماء:الصبر نصف الايمان!..كيف ذلك ؟
اذا عرف السبب...! ان الايمان هو فعل الطاعات وترك المعاصي, والحياة التي نعيشها ما هي الا نعمة تأتي لك أو مصيبة تنزل عليك, والنعمة تستوجب الشكر أما المصيبة فتستوجب الصبر.
اذن الصبر نصف الايمان.
فالنصف الأول شكر والنصف الثاني صبر.
ولذلك على المؤمن عبودية في السراء وهي الشكر, وعبودية في الضرّاء وهي الصبر. يقول تعالى:
ان في ذلك لآيات لكل صبّار شكور.
جمعهما الله في آية واحدة لأن بهما يكتمل الايمان..ما رأيك في ذلك ؟؟
ألا تشعرون بمذاق خاص ..؟
عرفت فالزم ..!
ما هو الشكل المطلوب للصبر؟؟
يقول تعالى:فاصبر صبراً جميلاً.
ويقول الله أيضاً على لسان سيدنا يعقوب عليه السلام وقد فهم المعنى : "فصبر جميل". فما هو الصبر الجميل؟
وما الذي أضافته كلمة جميل الى الصبر؟
ان الصبر الجميل هو صبر بلا ضجر..بلا قلق..بلا ضيق..بلا اعتراض..صبر باللسان والقلب معاً.
وليس كما نرى!! ترى لسانه راضياً ولكن قلبه يقول:
لماذا يارب !
فمن اتّفق لسانه مع قلبه فهو الصابر الصبر الجميل.
ترى وجهه عليه علامة الرضا..بلا عبوس وكأنه لم يصب بمصيبة..
وهذا لا يتنافى مع تألّم القلب ساعة..ودموع العين..فاننا بشر.
وهناك معنى آخر(للصبر الجميل) وهو..
الصبر الايجابي..وأعني به الصبر مع الأخذ بالأسباب..
ان الشاب الذي لا يستطيع الزواج , يصبر عن الحرام ويغضّ بصره ولكنه لا يعمل..فهذا ليس صبراً جميلاً منه..بل هذا صبر سلبي..فان الصبر الجميل يقتضي أن تصبر وتبذل الجهد وتكون ايجابيا..لا أن تجلس مكتوف اليدين وتترك ما عليك فعله وتقول اني صابر..تحرّك..اعمل..واصبر ومن ثمّ أوكل أمورك الى لله..وأحسن التوكّل عليه سبحانه.
أنواع الصبر:
صبر عن المعاصي..صبر على الابتلاءات..وصبر على الطاعات.
من هو أفضلنا؟؟؟ ....
نجد بعضنا يصبر على طاعة الله من قيام وصيام ولكن لا يصبر عن المعصية أبداً و هو العابد الطائع ! انه لا يستطيع مقاومة المعصية !..وهذا نموذج عجيب !
سؤال يفرض نفسه..يقول: من أفضلنا في صبره؟.
أفضلنا هو الذي عند المصيبة يصبر وعلى الطاعات يصبر وعن المعاصي يجتنبها ويصبر على ذلك ..وهكذا يكون قد استكمل الصبر..فاستكمل نصف الايمان.
ســؤال وجـواب
س-أيّهما أفضل الصبر على الابتلاءات أم الصبر على الطاعات وعن المعاصي؟
ج-الصبر على الطاعات وعن المعاصي أفضل
وهذا بالرغم من أن الصبر على الابتلاءات صبر عظيم ولكنه صبر اضطراري أما الصبر على الطاعات وعن المعاصي صبر اختياري.
س-أيّهما أكمل..؟
صبر يوسف عليه السلام في محنته في السجن وامرأة العزيز, أم صبر أيوب المبتلى في جسده وأهله وماله؟؟
ج-صبر يوسف طبعاً..لأن سيدنا يوسف دخل السجن بارادته وباختياره.
س-أيّهما أفضل وأكمل..؟
صبر يوسف عليه السلام في فتنة البئر أو صبره في فتنة السجن وامرأة العزيز؟
ج-صبره في فتنة السجن, لأنه قد دخله بارادته, أما البئر فكان رغماً عنه وان كان في البئر قد تعذب وتألم ألماً شديداً ولكن مقامه في السجن أعلى من مقامه في البئر, فلقد رفض المعصية ودخل السجن.
س-أيّهما أعلى مقاما..؟
الصبر على الطاعات أم الصبر على الابتلاء أم الصبر عن المعاصي؟
ج-اختلف العلماء وكانت لهم آراء كثيرة توصلوا في نهايتها
لمعنى لطيف ألا وهو..ان الصبر على الطاعات أعلى مقاماً من الصبر عن المعاصي..وذلك لأسباب:
1- خلقنا الله لعبادته ومعرفته فهذا سبب وجودنا وتتحقق عبادة الله ومعرفته بالطاعات.
2-ان الله جعل الحسنة بعشر أمثالها أما السيئة فبمثلها
3-لو تساوت طاعات الانسان ومعاصيه يوم القيامة فالى أين يذهب؟ نحن لا نعدل على الله ولكنه يقول:" ان رحمتي سبقت غضبي".. والله أعلم
كانت هذه هي الأسباب التي خلص اليها العلماء للمفاضلة بين الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي.
وبعد هذه الأسئلة..اليكم الترتيب :
-الصبر على الطاعات
-الصبر عن المعاصي
-الصبر على الابتلاء
وآخراَ..أوصيكم بخلق الصبر خيراً..يقول ابن القيّم:
ان الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ولا ايمان لمن لا صبر له,كما لا جسد لمن لا رأس له. وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه وأرضاه: خير عيش أدركناه..بالصبر. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:"انه ضياء" وقال:"من يتصبّر يصبّره الله
وما أحوجنا في هذه الأيام الى الصبر الجميل..استعينوا دوماً بالله واصبروا
------------------------
قم بالدعاء بصلاة الحاجة ركعتين لله تقرأ في الأولى الاخلاص, ثم في الثانية الكافرون, ثم ادع في سجودك:
سبحان الله العظيم,رب العرش الكريم,الحمد لله رب العالمين,أسألك موجبات رحمتك, وعزائم مغفرتك, والعصمة من كل ذنب والغنيمة من كل برّ, والسلامة من كل اثم, لا تدع لي ذنبا الا غفرته, ولا همّاً الا فرّجته, ولا حاجة هي لك رضا الا حققتها لي يا أرحم الراحمين.
ثم تدعو بما تريد من نجاح أو شفاء..
وبعد ذلك انس الموضوع ..وأحسن الظن بالله وتوكّل عليه حقّ التوكّل..ادع الله وأنت موقن بالاجابة
وأكثر من الدعاء فان الله يحب الملحّين فيه.